إن نمو شعبية الجراحة التجميلية في السنوات الأخيرة الذي فاق جميع التوقعات ، و الذي شمل كافة الشرائح الاجتماعية و إن يكن بنسب متفاوتة؛ يجعل من الأهمية بمكان تسليط الضوء على العمليات الجراحية التجميلية و الأبعاد النفسية التي تكتنفها، كما على أهمية غربلة المرضى و تثقيفهم قبل أن يضعوا أنفسهم تحت المشرط الذي يبدو أنه بات الصولجان السحري للحياة المعاصرة و المجتمع الاستهلاكي الذي نعيش فيه0
سأحاول في هذه المادة أن أفسر أسباب انتشار هذه الظاهرة في العالم و في مجتمعنا و دواعيها و مخاطرها و ضرورة انتقاء المرشحين المناسبين لها بعناية و سأتطرق إلى بعض الحالات النفسية التي يجب على جراح التجميل أن يتعرف عليها و يحيلها إلى طبيب نفسي0 و لن أناقش بطبيعة الحال ضرورات الجراحة الترميمية التي لا يجادل أحد في أهميتها و ضرورتها للمريض 0
الإعلان و الجراحة التجميلية :
لا شك أن الإعلان يحاول إقناعنا بما لا حاجة لنا به من سلع و خدمات و أفكار ، بل و طرق حياة0 و هو في سعيه لذلك يحاول صياغة آرائنا و توجهاتنا التي تخدم المعلن و ذلك من خلال أنماط و نماذج يجعل منها المعلن أسوة يجب الإقتداء بها و يستخدم في ذلك علماء النفس و نجما ت الإعلان و وسائل الإعلام و مصادر التكنولوجيا المختلفة و الإبهار لتحقيق أغراضه0 و بالإضافة إلى أن الإعلان يعمل على جذب المستهلك إلى سلعة ما، فإنه يعمل أيضاً على تعويده عليها، مما يحدث في نهاية المطاف تغيراً واضحاً في نمط تفكير الجمهور و ثقافته الاستهلاكية0 و يكمن الخطر الحقيقي في أن تتحول هذه السلع و الأفكار و الاتجاهات إلى ضرورية و أساسية بعد أن كانت ثانوية و كمالية0 و قد لوحظ من خلال الدراسات الميدانية أن الطبقات المتوسطة تقبل على شراء الكثير من السلع و المنتجات الكمالية التي تروج لها الإعلانات من باب تقليد الطبقات الغنية حتى لو أدى بهم ذلك إلى الاستدانة0 إذن في عصرنا- عصر العولمة يحوِّل الإعلان المواطن إلى مستهلك و يغدو كل شيء بما في ذلك الأفكار سلعة قابلة للتداول 0 و الجراحة التجميلية هي أكثر المجالات الطبية ارتباطاً بالإعلان و قد ازدهرت بسببه، و باتت في جزء كبير منها مادة إعلانية استهلاكية0
الأمر الذي يبعث على القلق هو أنه بات يُعلن بأن اختيار أنف جديد هو كشراء ثوب و أن الإجراءات التجميلية خالية من الألم و المخاطر و ذلك ضمن حمى إعلانية و إعلامية لا سابق لها 0 لقد ارتفع الطلب على الجراحة التجميلية 32% كل عام بعد عرض برنامج عن إعادة التصنيع الكاملة و هو برنامج Extreme Makeup الذي انطلق في عام 2002 0 و في عام 2003 أجريت أكثر من 8,7 ملايين عملية جراحية في الولايات المتحدة و ينطبق الأمر ذاته على برنامج تلفزيوني آخر هو Swan 0
إن مقاربة عمليات التجميل مسألة مركبة و متعددة الجوانب يتداخل فيها النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي، و لكن يبقى العامل النفسي هو المحور الذي تدور حوله كافة العوامل الأخرى0
و ظاهرة اللجوء إلى عيادات التجميل في مجتمعاتنا هي حديثة العهد نوعاً ما فهي من الناحية الاجتماعية و الاقتصادية تنطوي على ترف يركز على الشكلانية كمسألة جوهرية, حيث ينظر إلى الجسد بوصفه سلعة قابلة للتسويق وهذه النظرة إلى الجسد تختزل الإنسان في مظهره الخارجي ويصبح الجمال هو ما يقدمه الإعلان و الإعلام على شكل ممثلات هوليوود أو عارضات أزياء تعكس أشكالهن النمط الاجتماعي والثقافي للبلدان التي يعيشون فيها.
وحتى في هذه البلدان فإن النزوع إلى تغيير الشكل عن طريق عيادات جراحة التجميل يعكس ميلاً إلى التنميط والتماثل مع نماذج اجتماعية تستقطب الأضواء 0 أما في مجتمعنا فيعكس هذا النزوع دونية ومحاولة للتشبه بما تقدمه الثقافة الغربية والبروز الاجتماعي من خلال الشكل الخارجي الذي يعني الجمال وإلغاء كافة الأبعاد الأخرى للإنسان كجوهر ينطوي على قيم وأخلاق ومثل0 ولكن لذلك أيضاً بعداً نفسياً غاية في الأهمية فهناك اضطرابات نفسية تتعلق بصورة الشخص ونظرته إلى هذه الصورة ويتبدى ذلك بالنفور غير المنطقي أو الانشغال المفرط بأحد الملامح المكروهة.
خصوصية الجراحة التجميلية:
تتميز الجراحة التجميلية عن فروع الجراحة الأخرى بمجموعة من الخصائص أذكر منها:
- إن من يبدؤها و يطالب بها هو المريض نفسه و ليس الطبيب، فهنا نحن أمام انقلاب الأدوار في العلاقة بين الطبيب و المريض0 فما يسمى في الطب و الجراحة استطباب أو داعي العمل الجراحي يحدده الطبيب أما هنا فيحدده المريض مع ما يترتب على ذلك من خلل في القدرة على تحديد ما هو ضروري طبياً0
- تستثير هذه الجراحة ردّ فعل حاد من المريض و ذويه ، الأمر الذي قلما نجده في الجراحات الأخرى0
- وجود عنصر أو مكون نفسي بالغ الأهمية0
- دور الإعلان الهائل في انتشارها و تقديمها كحاجة ملحة للناس0
- دور السلوك الاستهلاكي في صياغة الدوافع لدى الناس ، و النظر إلى الجراحة التجميلية على أنها سلعة قابلة للتسويق التجاري0